فصل: سجود السهو

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


سجود السهو

467 - مسألة

كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ فِي صَلاَتِهِ سَهْوًا وَكَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏:‏ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي السَّهْوِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ إلاَّ أَنَّهُ رَأَى السَّهْوَ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا وَقَالَ‏:‏ مَنْ أَسْقَطَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ صَلاَتِهِ سَهْوًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا‏:‏ لاَ سُجُودَ سَهْوٍ إلاَّ فِي مَوَاضِعَ، وَهِيَ‏:‏ مَنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى سَاهِيًا فِي الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏ أَوْ مَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي صَلاَةٍ مَفْرُوضَةٍ وَمَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَوْ مَنْ زَادَ فِي صَلاَتِهِ رَكْعَةً فَمَا فَوْقَهَا سَاهِيًا فِي صَلاَةٍ مَفْرُوضَةٍ

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ سُجُودَ سَهْوٍ إلاَّ فِي عَشَرَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ إمَّا قِيَامٌ مَكَانَ قُعُودٍ

وَأَمَّا قُعُودٌ مَكَانَ قِيَامٍ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ

وَأَمَّا سَلاَمٌ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلاَةِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ تَكْبِيرِ صَلاَةِ الْعِيدِ خَاصَّةً لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ التَّشَهُّدِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ أُمِّ الْقُرْآنِ لِلإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ لِلإِمَامِ أَوْ لِلْفَذِّ أَوْ مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ أَوْ أَسَرَّ فِي قِرَاءَةِ جَهْرٍ لِلإِمَامِ خَاصَّةً، فَقَطْ قَالَ‏:‏ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَإِنْ نَسِيَ سَجْدَةً أَوْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏:‏ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً‏:‏ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلاَّ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَأَعَادَهَا‏.‏

وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي سُجُودِهِ لِسَهْوٍ فَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ، لاَِنَّهُ رَأَى فِيمَنْ تَرَكَ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ مِنْ الصَّلاَةِ فَصَاعِدًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ‏:‏ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَوْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَأَعَادَهَا‏.‏ وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الصَّلاَةِ كَذَلِكَ‏:‏ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ‏:‏ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ‏.‏ وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ أَنْ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لاَ سُجُودَ سَهْوٍ، وَلاَ غَيْرَهُ‏.‏ وَرَأَى عَلَى مَنْ جَعَلَ ‏"‏ اللَّهُ أَكْبَرُ ‏"‏ مَكَانَ ‏"‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ‏"‏ سُجُودَ السَّهْوِ‏.‏ وَرَأَى عَلَى مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ، أَوْ أَسَرَّ فِي قِرَاءَةِ جَهْرٍ، إنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلاً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاَتِهِ فَصَاعِدًا‏:‏ أَنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُلُ‏.‏ فَإِنْ سَهَا عَنْهَا فِي رَكْعَةٍ‏:‏ فَمَرَّةً رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فَقَطْ وَمَرَّةً رَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ بِقُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ بَلْ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءً سَوَاءً، وَزِيَادَةُ أَنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي‏:‏ أَنَّ كُلَّ صَلاَةِ فَرْضٍ تَكُونُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَأَنَّ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ فِيهَا سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ، وَأَنَّ كُلَّ صَلاَةِ فَرْضٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ فَفِيهَا عَشْرُ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ فَتَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ ثَلاَثِ تَكْبِيرَاتٍ وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ‏:‏ أَحَدُ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ‏:‏ إذْ رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ الآُولَى، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَرْضًا وَلَمْ يَرَ سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ جَمِيعِ تَكْبِيرِ الصَّلاَةِ حَاشَا تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ، وَلاَ فِي الْعَمَلِ الْقَلِيلِ الَّذِي تَفْسُدُ الصَّلاَةُ عِنْدَهُ بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يَجِدْ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ السُّجُودَ حَدًّا يَفْصِلُهُ بِهِ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلاَةُ عِنْدَهُ بِتَعَمُّدِهِ، وَيَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي سَهْوِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُهُ ‏"‏ صُلْبِ الصَّلاَةِ ‏"‏ وَمَا عَلِمَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ صُلْبًا، وَلاَ بَطْنًا، وَلاَ كَبِدًا، وَلاَ مَعْيًا وَمِثْلُ هَذَا قَدْ أَغْنَى ظَاهِرُ فَسَادِهِ عَنْ تَكَلُّفِ نَقْضِهِ

وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لاَ سُجُودَ سَهْوٍ إلاَّ حَيْثُ سَجَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِسُجُودِهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عليه السلام إلاَّ حَيْثُ ذَكَرْنَا

قال علي‏:‏ وهذا قَوْلٌ صَحِيحٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ، إلاَّ أَنَّنَا قَدْ وَجَدْنَا خَبَرًا صَحِيحًا يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِنَا وَجَعَلُوهُ مُعَارِضًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ يَجُوزُ، بَلْ الأَخْبَارُ كُلُّهَا تُسْتَعْمَلُ، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الأَخْذُ بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ الْوَارِدِ فِيهَا، لاَِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ أَعْمَالَ الصَّلاَةِ قِسْمَانِ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا‏:‏ إمَّا فَرْضٌ، يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ،

وَأَمَّا غَيْرُ فَرْضٍ، فَلاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ فَمَا كَانَ غَيْرَ فَرْضٍ فَهُوَ مُبَاحٌ فِعْلُهُ، وَمُبَاحٌ تَرْكُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَكْرُوهًا تَرْكُهُ‏.‏ فَمَا كَانَ مُبَاحًا تَرْكُهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا فِي تَرْكِ أَمْرٍ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى تَرْكَهُ، فَيَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ شَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى

وَأَمَّا الْفَرْضُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ، وَلاَ تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏.‏ فَإِذْ الصَّلاَةُ لاَ تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ وَكَانَ سَهْوًا، فَفِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ، إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بَعْضُهُ بِالسُّجُودِ دُونَ بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَدْ جَاءَ مَا

قلنا نَصًّا‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فأما زَادَ أَوْ نَقَصَ شَكَّ إبْرَاهِيمُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ

قلنا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ قَالَ‏:‏ لاَ، ‏.‏

فَقُلْنَا لَهُ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ‏:‏ إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ قَرَأْت عَلَى مَنْصُورٍ، وَسَمِعْته يُحَدِّثُ، وَكَتَبَ بِهِ إلَيَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ‏:‏ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، إذَا أَوْهَمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ مِنْ الصَّوَابِ ثُمَّ لِيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا فِي إيجَابِ السُّجُودِ فِي كُلِّ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فِي الصَّلاَةِ، وَكُلِّ وَهْمٍ، وَلاَ يُقَالُ لِمَنْ أَدَّى صَلاَتَهُ بِجَمِيعِ فَرَائِضِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ أَنَّهُ زَادَ فِي صَلاَتِهِ، وَلاَ نَقَصَ مِنْهَا، وَلاَ أَوْهَمَ فِيهَا، بَلْ قَدْ أَتَمَّهَا كَمَا أُمِرَ، وَإِنَّمَا الزَّائِدُ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ النَّاقِصُ مِنْهَا، وَالْوَاهِمُ‏:‏ مَنْ زَادَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، أَوْ نَقَصَ مِنْهَا مَا لاَ تَتِمُّ إلاَّ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَهْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ، رضي الله عنهم،‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ‏:‏ إذَا أَوْهَمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ الْوَهْمِ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ لاَ وَهْمَ إلاَّ فِي قُعُودٍ، أَوْ قِيَامٍ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ تَسْلِيمٍ فِي رَكْعَتَيْنِ

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّهُ نَسِيَ رَكْعَةً مِنْ الْفَرِيضَةِ حَتَّى دَخَلَ فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَصَلَّى بَقِيَّةَ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لاَِنَسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ فَإِنْ اسْتَيْقَنْت أَنِّي صَلَّيْت خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَالَ‏:‏ فَلاَ تُعِدْ وَلَوْ صَلَّيْت عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إذَا زِدْت أَوْ نَقَصْت‏:‏ فَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏

468 - مسألة

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلاَتِهِ سَهْوًا مِنْ كَلاَمٍ أَوْ إنْشَادِ شَعْرٍ، أَوْ مَشْيٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ، أَوْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَمَلِ أَيِّ عَمَلٍ كَانَ، أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكَعَاتٍ، أَوْ خُرُوجٍ إلَى تَطَوُّعٍ كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ أَوْ تَسْلِيمٍ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنَّهُ مَتَى ذَكَرَ طَالَ زَمَانُهُ أَوْ قَصُرَ، مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ‏:‏ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا تَرَكَ فَقَطْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، إلاَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مُتَّصِلَةً بِهَا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلاَتِهِ سَاهِيًا‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏ فَإِنْ سَلَّمَ مِنْهَا سَاهِيًا‏:‏ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ‏.‏ فَإِنْ أَكَلَ سَاهِيًا أَوْ زَادَ رَكْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ فَإِنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ بِغَلَبَةٍ‏:‏ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ‏.‏ فَإِنْ عَطَسَ فَقَالَ ‏"‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ ‏"‏ مُحَرِّكًا بِهَا لِسَانَهُ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ

قال علي‏:‏ وهذا الْكَلاَمُ فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْقُبْحِ مَعَ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ مَا نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلاَمَةَ مِنْ مِثْلِهِ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ‏:‏ حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ‏:‏ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلاَ ضَرَبَنِي، وَلاَ شَتَمَنِي، قَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ‏:‏ قُرِئَ عَلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَأَنَا أَسْمَعُ‏:‏ حَدَّثَكُمْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى إمَامُ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَعَطَسَ رَجُلٌ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا كُلُّهُمْ يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا وَيَصْعَدُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَبَطَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ فِي الصَّلاَةِ جَاهِرًا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْ الَّذِي تَكَلَّمَ نَاسِيًا بِإِعَادَةٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا خَلاَ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، فَأَبْطَلَ الصَّلاَةَ بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِقَلِيلِهِ، أَوْ رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فِي كَثِيرِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي قَلِيلِهِ، أَوْ حَدَّ الْكَثِيرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَالْقَلِيلَ بِأَنْ لاَ يَخْرُجَ عَنْهُ‏:‏ فَكَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ عَمَّنْ رَمَى نَزْقًا لِنَسْجٍ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامِدًا فِي الصَّلاَةِ‏.‏ أَوْ أَخَذَ حَبَّةَ سِمْسِمَةٍ عَمْدًا ذَاكِرًا فَأَكَلَهَا‏.‏ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ذَاكِرًا‏.‏ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّ قَلِيلَ هَذَا وَكَثِيرَهُ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ‏.‏ فَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ عَمَّنْ كَثُرَ حَكُّهُ لِجَسَدِهِ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ صَلاَتِهِ إلَى آخِرِهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فَلُوتٌ فَاضْطُرَّ إلَى جَمْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلاَةِ إلَى آخِرِهَا‏.‏ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

قلنا‏:‏ صَدَقْتُمْ، فَهَاتُوا نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا غَيْرَ مُدَّعًى بِلاَ عِلْمٍ عَلَى أَنَّ هَهُنَا أَعْمَالاً يُبْطِلُ الصَّلاَةَ كَثِيرُهَا، وَلاَ يُبْطِلُهَا قَلِيلُهَا‏.‏ ثُمَّ هَاتُو نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا‏:‏ غَيْرَ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ عَلَى تَحْدِيدِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ أَبَدًا فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ‏:‏ مِنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أُبِيحَ فِي الصَّلاَةِ بِالنَّصِّ‏:‏ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مُبَاحٌ فِيهَا، وَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُبَحْ بِالنَّصِّ فِي الصَّلاَةِ‏:‏ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ بِالْعَمْدِ، وَيُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ إذَا كَانَ سَهْوًا‏.‏

وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَسْجِدِ فَرُبَّ مَسْجِدٍ يَكُونُ طُولُهُ أَزِيدَ مِنْ ثَلاَثِمِائَةِ خُطْوَةٍ وَرُبَّ مَسْجِدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاهِيًا وَتَكَلَّمَ وَرَاجَعَ وَخَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ وَدَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ عَرَفَ فَخَرَجَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ فَقَطْ‏.‏ وَقَدْ قَالَ عليه السلام مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي‏.‏ وَبِهَذَا يَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏"‏ لِكُلِّ سَهْوٍ فِي الصَّلاَةِ سَجْدَتَانِ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَصَحَّتْ صَلاَتُهُ‏:‏ فَقَوْلاَنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَأَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُمَا قَوْلاَنِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْفَرْقُ بَيْنَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَبَيْنَ قِصَرِهَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ غَيْرِ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَالْحَقُّ فِي هَذَا‏:‏ هُوَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَقَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلاَ يُسْقِطُهُ عَنْهُ رَأْيُ ذِي رَأْيٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبَدًا، وَلاَ يُسْقِطُهُ عَنْهُ إلاَّ تَحْدِيدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الآخِرِ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ أَتَوْا إلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاَةِ فِي وَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، وَبِالصِّيَامِ فِي وَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ فَقَالُوا‏:‏ لاَ يَسْقُطُ عَمَلُهُمَا وَإِنْ بَطَلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقْتًا لَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتًا لَهُمَا ثُمَّ أَتَوْا إلَى سُجُودِ السَّهْوِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصْلاَحًا لِمَا وُهِمَ فِيهِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلاَةِ، وَأَطْلَقَ بِالأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ‏:‏ فَأَبْطَلُوهُ بِوَقْتٍ حَدُّوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ‏.‏

469 - مسألة

وَإِذَا سَهَا الإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ، إلاَّ مَنْ فَاتَتْهُ مَعَهُ رَكْعَةٌ فَصَاعِدًا، فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتَمَّهُ سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلاَمِ فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَهُمَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ، ثُمَّ لاَ يُعِيدُ سُجُودَهُمَا إذَا سَلَّمَ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَصَاعِدًا‏:‏ فَإِنَّ الإِمَامَ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ صَلاَتِهِ، وَلَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقَضَاءُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا‏.‏

وَقَالَ عليه السلام أَيْضًا‏:‏ فَأَتِمُّوا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الاِشْتِغَالُ بِغَيْرِ الإِتْمَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَوْصُولاً بِمَا أَدْرَكَ، فَلَمْ يُتِمَّ صَلاَتَهُ بَعْدُ، وَالسُّجُودُ لِلسَّهْوِ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ وَبَعْدَ تَمَامِهَا، بِأَمْرِهِ عليه السلام بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا‏.‏

وَأَمَّا إذَا سَجَدَهُمَا الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الاِئْتِمَامُ بِهِ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ لِلْمَأْمُومِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالسُّجُودِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

470 - مسألة

وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَسْهُ الإِمَامُ فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، كَمَا كَانَ يَسْجُدُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا، وَلاَ فَرْقَ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا كُلَّ مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلاَتِهِ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام بِذَلِكَ إمَامًا، وَلاَ مُنْفَرِدًا مِنْ مَأْمُومٍ، فَلاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُمْ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَمَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ الإِمَامَ يَحْمِلُ السَّهْوَ عَنْ الْمَأْمُومِ‏:‏ فَقَدْ أَبْطَلَ، وَقَالَ مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورَ بِرَأْيِهِ، وَلاَ خِلاَفَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ أَحْدَثَ سَهْوًا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ عَمْدًا فَإِنَّ الإِمَامَ لاَ يَحْمِلُهُ عَنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ سَائِرَ مَا سَهَا فِيهِ مِنْ فَرْضٍ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عن ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

471 - مسألة

وَمَنْ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَجْزَأَتَا عَنْهُ وَنَكْرَهُ ذَلِكَ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبِدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ حدثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيَّ هُوَ الْبَارِقِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ غَيْرَ مَثْنَى، إلاَّ مَا سِمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةً وَهُوَ غَيْرُ مَثْنَى‏:‏ كَالْفُرُوضِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعُ أَرْبَعُ، وَكَالْوِتْرِ وَكَالصَّلاَةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لاَ تَسْلِيمَ بَيْنَهُنَّ، وَصَلاَةِ الْجَنَائِزِ‏.‏ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ صَلاَةً، وَلَمْ يُسَمِّ عليه السلام سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏:‏ صَلاَةً‏.‏ وَلاَ وُضُوءٌ يَجِبُ لاَزِمًا إلاَّ لِصَلاَةٍ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبَّادِ بْنُ جَبَلَةَ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ عن ابْنِ جُرَيْجٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى حَاجَتَهُ مِنْ الْخَلاَءِ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ فَلَمْ يَمَسَّ مَاءً‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّكَ لَمْ تَتَوَضَّأْ قَالَ‏:‏ مَا أَرَدْت صَلاَةً فَأَتَوَضَّأُ قَالَ عَمْرٌو‏:‏ سَمِعْته مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلاَهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

472 - مسألة

وَالأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمَ مِنْهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا الاِقْتِصَارُ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ فَقَطْ، فَلِمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلاَتِهِ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ‏:‏ بِسَجْدَتَيْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام فِيهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ

وَأَمَّا اخْتِيَارُنَا التَّكْبِيرَ لَهُمَا وَالتَّشَهُّدَ وَالسَّلاَمَ‏:‏ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلاَتَيْ الْعَشِيِّ، الظُّهْرَ قَالَ أَوْ الْعَصْرَ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا، إحْدَاهُمَا عَلَى الآُخْرَى، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، ثُمَّ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ قَصُرَتْ الصَّلاَةُ، قَصُرَتْ الصَّلاَةُ، وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ يُسَمِّيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاَةُ قَالَ‏:‏ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ الصَّلاَةُ قَالَ‏:‏ بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ‏:‏ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ‏:‏ أَيْ نَعَمْ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ‏.‏ فَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏:‏ سَلَّمَ فِي السَّهْوِ قَالَ‏:‏ لَمْ أَحْفَظْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نُبِّئْت أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ثُمَّ سَلَّمَ ‏"‏‏.‏

وبه إلى أَبِي دَاوُد‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذِهِ أَعْمَالٌ لاَ أَوَامِرُ، فَالاِئْتِسَاءُ فِيهَا حَسَنٌ

رُوِّينَا عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قِرَاءَةٌ، وَلاَ رُكُوعٌ، وَلاَ تَشَهُّدٌ‏.‏ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهُمَا لاَ يَتَشَهَّدَانِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ لَيْسَ فِيهِمَا تَسْلِيمٌ‏:‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلاَ بُدَّ لَهُ فِيهِمَا مِنْ أَنْ يَقُولَ ‏"‏ سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى ‏"‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ سُجُودٍ‏.‏

473 - مسألة

وَسُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ إلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ السَّاهِيَ فِيهِمَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ السَّلاَمِ أَحَدُهُمَا‏:‏ مَنْ سَهَا فَقَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ وَيَتَشَهَّدْ، فَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْجُلُوسِ، فَإِنْ رَجَعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وَهُوَ سَهْوٌ يُوجِبُ السُّجُودَ، لَكِنْ يَتَمَادَى فِي صَلاَتِهِ فَإِذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الآخِرَ فَإِنْ شَاءَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ لاَ يَدْرِي فِي كُلِّ صَلاَةٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ أَصَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلّ صَلاَةِ تَكُونُ ثَلاَثًا أَصَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَفِي كُلِّ صَلاَةٍ تَكُونُ أَرْبَعًا أَصَلَّى أَرْبَعًا أَمْ أَقَلَّ فَهَذَا يَبْنِي عَلَى الأَقَلِّ وَيُصَلِّي أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ رَكَعَاتِ صَلاَتِهِ وَشَكَّ فِي الزِّيَادَةِ‏.‏ فَإِذَا تَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلاَمِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏ وَإِنْ أَيْقَنَ مِنْ خِلاَلِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ جَلَسَ مِنْ حِينِهِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَلاَ بُدَّ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَسَجَدَ أَنَّهُ زَادَ يَقِينًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ‏.‏ وَالسُّجُودُ فِي صَلاَةِ التَّطَوُّعِ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ، وَلاَ فَرْقَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ السُّجُودُ كُلُّهُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ هُوَ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلاَمِ ‏.‏

وقال مالك‏:‏ هُوَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلاَمِ، وَفِي النُّقْصَانِ قَبْلَ السَّلاَمِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَعْضِ الآثَارِ وَتَرَكَ بَعْضًا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ

وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَزَادَ حُجَّةً نَظَرِيَّةً وَهِيَ ‏:‏، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِيهِ لاَ بَائِنًا عَنْهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالنَّظَرُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُعَارَضَ بِهِ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ بِأَنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِيهِ لاَ بَائِنًا عَنْهُ وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ، وَالصِّيَامَ‏:‏ يَكُونَانِ جَبْرًا لِمَا نَقَصَ مِنْ الْحَجِّ، وَهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْهُ، وَأَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّدَقَةَ، أَوْ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ جَبْرٌ لِنَقْصِ وَطْءِ التَّعَمُّدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَبَعْضُ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ يَجُوزُ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الآرَاءِ الْمُقْحَمَةِ فِي الدِّينِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، فَرَأْيٌ مُجَرَّدٌ فَاسِدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلاَمِ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى وَهُوَ سَهْوُ زِيَادَةٍ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ، حدثنا الْفُضَيْلُ، هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ‏:‏ فَأَيُّكُمْ مَا نَسِيَ شَيْئًا فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِيَادٍ غَايَةً فَلَوْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُ هَذِهِ السُّنَّةِ لَمْ يَجُزْ سُجُودُ السَّهْوِ إلاَّ بَعْدَ السَّلاَمِ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ‏.‏ فَلَمْ يَرْجِعْ عليه السلام إلَى الْجُلُوسِ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام‏:‏ صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي‏:‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَضَى، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاَتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ‏:‏ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَكِلاَ الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ، فَكِلاَهُمَا الأَخْذُ بِهِ سُنَّةٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ لَعَلَّ ابْنَ بُحَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ سَلَّمَ

قال علي‏:‏ وهذا تَعَلُّلٌ بِدَعْوَى الْكَذِبِ، وَإِسْقَاطُ السُّنَنِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ فَكَيْفَ الصَّاحِبُ‏:‏ لَعَلَّهُ وَهْمٌ، إلاَّ بِيَقِينٍ وَارِدٍ بِأَنَّهُ وَهْمٌ، وَأَمَّا بِالظَّنِّ فَلاَ‏.‏ قَالَ عليه السلام إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسَلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلاَتِهِ، وَلاَ يُسَلِّمَ الْمُؤْتَمُّونَ بِسَلاَمِهِ، وَأَنْ يُسَلِّمُوا كَمَا سَلَّمَ عليه السلام، وَلاَ يَسْمَعَ ابْنُ بُحَيْنَةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلاَ يَدَّعِي هَذَا إلاَّ قَلِيلُ الْحَيَاءِ، رَقِيقُ الدِّينِ مُسْتَهِينٌ بِالْكَذِبِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثْلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاَتِهِ، وَكَانَتْ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مُرْسَلاً‏.‏ فَهَذَا نَصُّ مَا قلنا، وَهَذَا هُوَ بَيَانُ التَّحَرِّي الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ وَفِي هَذَا بُطْلاَنُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ إنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَعَادَ الصَّلاَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّى أَغْلَبَ ظَنِّهِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ فَاسِدٌ، لاَِنَّهُ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ‏:‏ وَمَا ذَلِكَ قِيلَ‏:‏ صَلَّيْت خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ‏.‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ مَنْ صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا فَصَلاَتُهُ بَاطِلٌ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ جَلَسَ فِي آخِرِ الرَّابِعَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، بَعِيدٌ عَنْ سَدَادِ الرَّأْيِ

وَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَمَضَى، فَلَمَّا سَلَّمَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ مَرَّتَيْنِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا لَهُ، فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حِينَ انْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُنْتُمْ تَرَوْنِي أَجْلِسُ إنِّي صَنَعْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ‏.‏ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَوَخَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ‏.‏ فَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ التَّحَرِّيَ كَمَا قُلْنَاهُ فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عن ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ التَّسْلِيمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ

قلنا‏:‏ لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَهَذَا مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ لَوْ أُسْنِدَ لَمَا كَانَ مُعَارِضًا لاَِمْرِهِ عليه السلام بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلاَمِ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنَّ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ تَسْلِيمًا مِنْهُمَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إيجَابَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي التَّطَوُّعِ، وَعُمُومُ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلاَةٍ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏:‏ يَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ، وَلاَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ بِالظَّنِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

474 - مسألة

وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِوَثَنٍ أَوْ لِصَلِيبٍ أَوْ لاِِنْسَانٍ وَخَشِيَ الضَّرْبَ أَوْ الأَذَى أَوْ الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ‏:‏ فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى قَبَالَةَ الصَّنَمِ، أَوْ الصَّلِيبِ، أَوْ الإِنْسَانِ، وَلاَ يُبَالِي إلَى الْقِبْلَةِ يَسْجُدُ أَوْ إلَى غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِالسُّجُودِ لَهُ فِي الْقِبْلَةِ فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ وَإِلاَّ فَلاَ قال علي‏:‏ وهذا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، لاَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ جِهَةٍ عَمْدًا قَصْدًا لَمْ يَأْتِ مِنْهُ مَنْعٌ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}‏‏.‏ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً، وَالسُّجُودُ وَحْدَهُ لَيْسَ صَلاَةً، وَهُوَ جَائِزٌ بِلاَ طَهَارَةٍ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلِلْحَائِضِ، لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ ذَلِكَ فِيهِ

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏}‏‏.‏

475 - مسألة

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ صَلاَتِهِ‏:‏ أَدَّاهَا قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعًا بِإِيمَاءٍ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي اضْطِجَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ، إمَّا عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى ظَهْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا لَوْ قَامَ لاَسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ كَمَا يَقْدِرُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَدَحَ عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا يَقْدِرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَرَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّدَاوِي‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ‏:‏ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَتْ الأَعْرَابُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا، فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى قَالَ‏:‏ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ‏:‏ الْهَرَمُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا‏:‏ أَنَّ عَائِشَةَ نَهَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ

قلنا‏:‏ كَمْ قِصَّةٍ لَهَا، رضي الله عنها، خَالَفْتُمُوهَا حَيْثُ لاَ يُعْلَمُ لَهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَحَيْثُ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ بِخِلاَفِهَا‏:‏ كَأَمْرِهَا الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ إيجَابًا وَمَعَهَا فِي ذَلِكَ‏:‏ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَعَهَا السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ‏.‏ وَكَإِمَامَتِهَا هِيَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما‏:‏ النِّسَاءَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ‏.‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنْ كَانَ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا فِي مَكَان لَمْ يَحِلَّ فِي كُلِّ مَكَان، وَإِنْ كَانَ خِلاَفُهَا لِلسُّنَّةِ مُبَاحًا فِي مَوْضِعٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏.‏

476 - مسألة

وَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ‏:‏ قَامَ الْمُفِيقُ وَنَزَلَ الآمِنُ، وَبَنَيَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِمَا، وَأَتَمَّا مَا بَقِيَ، وَصَلاَتُهُمَا تَامَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَا مَضَى مِنْهَا أَقَلُّهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ التَّكْبِيرُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ السَّلاَمُ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏ وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلاَتَهُ صَحِيحًا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا أَصَارَهُ إلَى الْقُعُودِ، أَوْ إلَى الإِيمَاءِ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ‏.‏ أَوْ خَافَ فَاضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ وَالرَّكْضِ وَالدِّفَاعِ‏:‏ فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلاَتِهِ، وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ إنْ أَمِنَ بَعْدَ الْخَوْفِ فَنَزَلَ بَنَى وَتَمَّتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ خَافَ بَعْدَ الأَمْنِ فَرَكِبَ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ

قال علي‏:‏ وهذا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَتَفْرِيقٌ عَلَى أَصْلِهِ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا‏}‏‏.‏ وَقَدْ صَلَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَاشِيًا إلَى عَدُوِّهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ جَالِسًا لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ صَحَّ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي، لاَ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا مُومِئًا لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ يَصِحُّ فِيهَا، وَفِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا صَحِيحًا قَائِمًا ثُمَّ يَمْرَضُ فِيهَا مَرَضًا يَنْقُلُهُ إلَى الْقُعُودِ أَوْ إلَى الإِيمَاءُ مُضْطَجِعًا‏.‏ فَمَرَّةً قَالَ‏:‏ يَبْنِي، وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ يَبْتَدِئُهَا، وَلاَ بُدَّ، وَسَوَاءٌ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، أَوْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّفْرِيقِ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لاَ يُدْرَى كَيْفَ يَتَهَيَّأُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى مِنْ الْخَالِقِ الَّذِي لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ إنْ افْتَتَحَ صَحِيحًا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فَانْتَقَلَ إلَى الإِيمَاءِ أَوْ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ‏:‏ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ مَا لَمْ يَنْتَقِلْ حَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدُوا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ‏:‏ فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا مُومِئًا ثُمَّ صَحَّ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ‏:‏ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ، وَلاَ بُدَّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ مَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا قَاعِدًا، أَوْ مُومِئًا ثُمَّ صَحَّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلاَةَ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ وَمَنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَارَ إلَى الْقُعُودِ أَوْ إلَى الإِيمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْنِي‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِنُرِيَ أَهْلَ السُّنَّةِ مِقْدَارَ فِقْهِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ وَعِلْمِهِمْ‏.‏

477 - مسألة

وَمَنْ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فِي الصَّلاَةِ كَرِهْنَاهُ، وَلَمْ تَبْطُلْ لِذَلِكَ صَلاَتُهُ، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ، إذَا عَرَفَ مَا صَلَّى وَلَمْ يَسْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَإِنَّكُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلاَةَ بِأَنْ يَنْوِيَ فِيهَا عَمْدًا الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلاَةِ جُمْلَةً، أَوْ الْخُرُوجَ عَنْ إمَامَةِ الإِمَامِ بِلاَ سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ الْخُرُوجَ عَنْ فَرْضٍ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ مِنْ تَطَوُّعٍ إلَى فَرْضٍ، أَوْ مِنْ صَلاَةٍ إلَى صَلاَةٍ أُخْرَى، إذَا عَمَدَ كُلَّ ذَلِكَ ذَاكِرًا وَيُوجِبُونَ فِي سَهْوِهِ بِكُلِّ ذَلِكَ سُجُودَ السَّهْوِ، وَحُكْمُ السَّهْوِ فِي إلْغَاءِ مَا عَمِلَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ وَاجِبَاتِ صَلاَتِهِ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، لاَِنَّ هَذَا قَدْ أَخْرَجَ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ بِعَمَلٍ فَعَمِلَ شَيْئًا مَا، فِي صَلاَتِهِ عَمْدًا بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ، فَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ، أَوْ سَهَا بِذَلِكَ الْعَمَلِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حدثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إذَا نُودِيَ بِالأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ‏:‏ اُذْكُرْ كَذَا وَكَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الْمَرْءُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ‏.‏ فَلَمْ يُبْطِلْ عليه السلام الصَّلاَةَ بِتَذْكِيرِ الشَّيْطَانِ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ بِهِ عَنْ صَلاَتِهِ، وَلاَ جَعَلَ فِي ذَلِكَ سُجُودَ سَهْوٍ، وَجَعَلَ عليه السلام سُجُودَ السَّهْوِ فِي جَهْلِهِ كَمْ صَلَّى فَقَطْ

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ إنِّي لاَِحْسِب جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

478 - مسألة

وَمَنْ ذَكَرَ فِي نَفْسِ صَلاَتِهِ أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ‏:‏ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاَةَ فَرْضٍ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْوِتْرَ‏:‏ تَمَادَى فِي صَلاَتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُتِمَّهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ فَقَطْ، لاَ يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلاَ يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ فَهَذَا فِي عَمَلٍ قَدْ نُهِيَ عَنْ إبْطَالِهِ

وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ‏:‏ قَطَعَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَصَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، وَقَطَعَ صَلاَةَ الصُّبْحِ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى الَّتِي قَطَعَ، فَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِيهَا تَمَادَى فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، وَلاَ مَزِيدَ‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَصَاعِدًا تَمَادَى فِي صَلاَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الَّتِي ذَكَرَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ أَعَادَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَأَكْثَرَ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الَّتِي ذَكَرَهَا، وَلاَ يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا‏.‏

قال علي‏:‏ وهذانِ قَوْلاَنِ فَاسِدَانِ‏:‏ أَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الْخَمْسِ وَذِكْرِ السِّتِّ، لاَ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ‏.‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي صَلاَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي تَرْتِيبِ صَلاَةِ أَمْسِ قَبْلَ صَلاَةِ الْيَوْمِ، وَصَلاَةِ أَوَّلِ أَمْسِ قَبْلَ صَلاَةِ أَمْسِ، وَهَكَذَا أَبَدًا‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا حَقٌّ وَهُوَ عليه السلام الآمِرُ بِهَذَا قَدْ ذَكَرَ صَلاَةَ الصُّبْحِ إذْ انْتَبَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالاِقْتِيَادِ، وَالْوُضُوءِ، وَالأَذَانِ‏.‏ ثُمَّ صَلَّى هُوَ وَهُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا كَمَا أُمِرَ، لاَ كَمَا لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ قَطَعَ صَلاَةً قَدْ أَمَرَهُ عليه السلام بِالتَّمَادِي فِيهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا‏.‏ وَبِقَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً‏.‏ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ ذِكْرِ خَمْسٍ فَأَقَلَّ، وَبَيْنَ ذِكْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ ذَكَرَ صَلاَةً فِي صَلاَةٍ ‏"‏ انْهَدَمَتْ عَلَيْهِ فَقَدْ‏.‏

قلنا‏:‏ إنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ خَمْسٍ فَأَقَلَّ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ‏.‏ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ كَانُوا كَاذِبِينَ عَلَى الآُمَّةِ، لِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَبِالظَّنِّ الَّذِي لاَ يَحِلُّ وَأَكْذَبَهُمْ‏:‏ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏:‏ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ أَنَّهَا صَلاَةُ عِشْرِينَ سَنَةً لاَ سِيَّمَا أَمْرَ أَبِي حَنِيفَةَ بِإِبْطَالِ الصُّبْحِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ لِلْوِتْرِ وَهِيَ تَطَوُّعٌ، وَلاَ يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ‏.‏ وَأَمْرُ مَالِكٍ بِأَنْ يُتِمَّ صَلاَةً لاَ يَعْتَدُّ لَهُ بِهَا، ثُمَّ يُعِيدَهَا وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ لاَ يَعْتَدُّ لَهُ بِهِ، وَلاَ يَخْلُو هَذَا الْمَأْمُورُ بِالتَّمَادِي فِي صَلاَتِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الصَّلاَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَمْ هِيَ صَلاَةٌ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ‏.‏ فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي الصَّلاَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَأَمْرُهُ بِإِعَادَتِهَا بَاطِلٌ‏.‏ وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي صَلاَةٍ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَقَدْ أَمَرَهُ بِمَا لاَ يَجُوزُ وَقَوْلُنَا‏:‏ هُوَ قَوْلُ طَاوُوس، وَالْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ الصَّلاَةَ الَّتِي نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي صَلاَةٍ أُخْرَى، أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ صَلاَةً أُخْرَى، أَوْ فِي وَقْتِ صَلاَةٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

479 - مسألة

فَإِنْ ذَكَرَ صَلاَةً وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فُسْحَةٌ فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ، يُصَلِّي جَمِيعَهَا مَرْتَبَةً ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فَذًّا، وَحُكْمُهُ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلاَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الَّتِي نَسِيَ، فَإِنْ قَضَاهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا بَدَأَ بِهَا، وَلاَ بُدَّ، لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ وَفَاتَ وَقْتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي وَقْتِهَا بَطَلَ كِلاَهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّتِي ذَكَرَ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ

وقال مالك‏:‏ إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ‏:‏ بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي حَضَرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا

قال علي‏:‏ وهذا قَوْلٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، لَكِنَّهُ طَرَدَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إذْ تَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِالأَذَانِ وَالإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالأَذَانِ وَالإِقَامَةِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا‏.‏ وَإِنَّمَا لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ وَاجِبًا؛ لاَِنَّهُ عَمَلٌ لاَ أَمْرٌ‏.‏

وَأَمَّا إنْ فَاتَهُ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ اللَّوَاتِي خَرَجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ النَّاسِي مُتَمَادِيَةُ الْوَقْتِ لِلنَّاسِي أَبَدًا لاَ تَفُوتُهُ بَاقِي عُمْرِهِ، وَاَلَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا تَفُوتُهُ بِتَعَمُّدِهِ تَرْكَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِصَلاَتِهَا، كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِاَلَّتِي نَسِيَ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ فَإِذًا حَرَامٌ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ فِي صَلاَةٍ يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى أَوْ يَخْرُجَ وَقْتُ هَذِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا‏.‏

قلنا‏:‏ أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، فِي تَفْرِيقِكُمْ بَيْنِ الْخَمْسِ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِ،

وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا خَالَفْنَاهُ، لاَِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى الَّتِي ذَكَرَ قَبْلَ الآُخْرَى، فَاَلَّتِي يَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ إنْ أَخَّرَهَا أَوْجَبُ مِنْ الَّتِي لاَ يَكُونُ عَاصِيًا لَهُ تَعَالَى إنْ أَخَّرَهَا وَبِقَوْلِنَا هَذَا يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ‏.‏

480 - مسألة

وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلاَةً لاَ يَدْرِي أَيُّ صَلاَةٍ هِيَ فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ قَالُوا‏:‏ يُصَلِّي صَلاَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يَدْرِ أَمِنْ سَفَرٍ أَمْ مِنْ حَضَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ يُصَلِّي ثَلاَثَ صَلَوَاتٍ‏:‏ إحْدَاهَا رَكْعَتَانِ، يَنْوِي بِهَا الصُّبْحَ‏.‏ وَالثَّانِيَةُ ثَلاَثٌ يَنْوِي بِهَا الْمَغْرِبَ‏.‏ وَالثَّالِثَةُ أَرْبَعٌ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ أَوْ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يَدْرِ أَمِنْ سَفَرٍ هِيَ أَمْ مِنْ حَضَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَتَيْنِ فَقَطْ‏:‏ إحْدَاهُمَا رَكْعَتَانِ، وَالآُخْرَى ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ وَقَالَ زُفَرُ، وَالْمُزَنِيُّ‏:‏ يُصَلِّي صَلاَةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏ قَالَ زُفَرُ‏:‏ بَعْدَ السَّلاَمِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ‏:‏ قَبْلَ السَّلاَمِ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ يُصَلِّي صَلاَةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقَطْ، لاَ يَقْعُدُ إلاَّ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ يَنْوِي فِي ابْتِدَائِهِ إيَّاهَا أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ، إلاَّ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ‏:‏ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلاَمِ، وَقُلْنَا نَحْنُ‏:‏ بَعْدِ السَّلاَم بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ مَقْطُوعٍ لاَ شَكَّ فِيهِ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلاَ مِنَّا‏:‏ صَلاَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي فَاتَتْهُ، فَمَنْ أَمَرَهُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَلاَثِ صَلَوَاتٍ، أَوْ صَلاَتَيْنِ فَقَدْ أَمَرَهُ يَقِينًا بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَضُوا عَلَيْهِ صَلاَةً أَوْ صَلاَتَيْنِ أَوْ صَلَوَاتٍ لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إلاَّ صَلاَةً وَاحِدَةً كَمَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلاَ مَزِيدَ‏.‏ فَسَقَطَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، حَاشَا قَوْلِنَا، وَقَوْلِ زُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْنَا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ النِّيَّةَ لِلصَّلاَةِ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَهُ بِنِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ لاَ تَدْرُونَ أَنَّهَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الاِعْتِرَاضُ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ أَمَرُوهُ بِالْخَمْسِ، أَوْ الثَّمَانِ فَقَطْ‏.‏

قلنا لَهُمْ‏:‏ نَعَمْ إنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَهُ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَمَرْتُمُوهُ بِهَا بِنِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا أَوْ كَاذِبَةٍ بِيَقِينٍ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا‏.‏ لاَِنَّكُمْ إنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ قَطْعًا فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ، لاَِنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ‏.‏ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْهَا وَنَوَاهَا قَطْعًا فَقَدْ نَوَى الْبَاطِلَ، وَهَذَا حَرَامٌ‏.‏ وَإِنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ صَلاَةٍ مِنْهَا أَنَّهَا الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا فَاتَتْهُ فَقَدْ أَمَرْتُمُوهُ بِمَا عِبْتُمْ عَلَيْنَا، سَوَاءً سَوَاءً، لاَ بِمِثْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْمَلاَمَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، لاَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهَا أَصْلاً، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ وُجُوبُ النِّيَّةِ الْمَرْجُوعِ فِيهَا إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَسَقَطَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَيْضًا‏.‏

ثُمَّ قلنا لِزُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ‏:‏ إنَّكُمْ أَلْزَمْتُمُوهُ جِلْسَةً بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا قَطُّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ أَحَدٌ إلاَّ مَا نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ إيَّاهُ فَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا، لاَِنَّهُمَا دَخَلاَ فِي بَعْضِ مَا أَنْكَرَا عَلَى غَيْرِهِمَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ صَلاَةً وَاحِدَةً فَقَطْ، لاَ يَدْرِي أَيُّ صَلاَةٍ هِيَ فَلاَ يَقْدِرُ أَلْبَتَّةَ عَلَى نِيَّةٍ لَهَا بِعَيْنِهَا، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا أَيُّ صَلاَةٍ هِيَ فَيَنْوِي أَنَّهُ يُؤَدِّي الصَّلاَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ الَّتِي يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ، فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ فَقَدْ شَكَّ‏:‏ أَتَمَّ صَلاَتَهُ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحَ، أَوْ إنْ كَانَتْ صَلاَةً تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ أَمْ صَلَّى بَعْضَهَا كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يُتِمَّهَا، إنْ كَانَتْ صَلاَةً تَتِمُّ فِي الْحَضَرِ أَوْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ فَإِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيَقُومَ إلَى رَكْعَةٍ ثَالِثَةٍ، وَلاَ بُدَّ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا فَقَدْ شَكَّ‏:‏ هَلْ أَتَمَّ صَلاَتَهُ الَّتِي عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ فَيَقْعُدُ حِينَئِذٍ أَمْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، إنْ كَانَتْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ، فِي حَضَرٍ فَإِذَا صَارَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى بِأَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إلَى رَابِعَةٍ، فَإِذَا أَتَمَّهَا وَجَلَسَ فِي آخِرِهَا وَتَشَهَّدَ فَقَدْ أَيْقَنَ بِالتَّمَامِ بِلاَ شَكٍّ، وَحَصَلَ فِي شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَلْيُسَلِّمْ حِينَئِذٍ، وَلْيَسْجُدْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ عَلَى وُجُوبِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَدْخُلُ عَلَى زُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ فِي إلْزَامِهِمَا إيَّاهُ جِلْسَةً فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ إفْرَادَ النِّيَّةِ فِي تِلْكَ الْجِلْسَةِ أَنَّهَا لِلْمَغْرِبِ خَاصَّةً، وَهَذَا خَطَأٌ، لاَِنَّهُ إعْمَالُ يَقِينٍ فِيمَا لاَ يَقِينَ فِيهِ فَإِنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ سَفَرٍ صَلَّى صَلاَةً وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرْنَا، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا لاَ يَدْرِي أَمِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَدْرِي صَلاَّهُمَا فَقَطْ، وَلاَ يُبَالِي أَيُّهُمَا قَدَّمَ لاَِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ نَصُّ سُنَّةٍ، وَلاَ قُرْآنٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ إنْ لَمْ يَدْرِ أَهِيَ مِنْ يَوْمٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلْيُصَلِّ ثَلاَثَ صَلَوَاتٍ إمَّا ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ، وَأَمَّا عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مَا دَامَتْ الأَوْقَاتُ قَائِمَةً مُرَتَّبَةً بِتَرْتِيبِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الأَوْقَاتِ فَلاَ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

481 - مسألة

فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ لاَ يُمْكِنُهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْبَرِّ إلاَّ بِمَشَقَّةٍ أَوْ بِتَضْيِيعِهَا فَلْيُصَلُّوا فِيهَا كَمَا يَقْدِرُونَ، بِإِمَامٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَعَنْ الْقِيَامِ لِمَيْدٍ أَوْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ تَحْتَ السَّطْحِ أَوْ لِتَرَجُّحِ السَّفِينَةِ‏:‏ صَلُّوا كَمَا يَقْدِرُونَ‏.‏ وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ قُدَّامَ الإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَوْ خَلْفَهُ، إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَكْثَرَ، وَصَلَّى مَنْ عَجَزَ مِنْ الْقِيَامِ قَاعِدًا، وَلاَ يُجْزِئُ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلاَّ الْقِيَامُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يُصَلِّي قَاعِدًا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَنَسًا صَلَّى فِي سَفِينَةٍ قَاعِدًا‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ وَمَا يَدْرِيكُمْ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى قَاعِدًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ‏.‏